
عزوف طلاب الجامعات: نقاش صريح بين 6 طلاب لكشف الأسباب والحلول
ماذا يحدث عندما يجتمع 6 طلاب جامعيين حول طاولة واحدة لمناقشة مشكلة تؤرق الكثيرين؟ إنها مشكلة عزوف طلاب الجامعات عن الجدية في دراستهم وحضور المحاضرات. بين اختلاف وجهات النظر، وتبادل الأفكار الصريحة، تنكشف حقائق لم يتحدث عنها أحد من قبل. انضم إلينا في رحلة فكرية مليئة بالتحدي، الصراحة، والحلول المبتكرة.
جدول المحتويات
الفصل الأول: الدعوة إلى الطاولة – بداية الحديث عن عزوف طلاب الجامعات
كانت الساعة تشير إلى العاشرة صباحًا، والشمس تتسلل بخفة من نوافذ قاعة المحاضرات رقم (B12) في قسم إدارة الأعمال. ترتفع همسات خفيفة بين الطلاب الذين بدأوا يتجمعون، يحملون دفاتر ملاحظاتهم وكؤوس القهوة البلاستيكية. في المنتصف، وُضعت طاولة دائرية تحيط بها كراسٍ معدنية، مصممة بطريقة تجعل الجميع على قدم المساواة—لا مكان هنا لمنصة تعلو فوق الآخرين.
عبدالرزاق، الأستاذ المحب للحوار العميق والنقاشات الهادفة، دخل القاعة بخطوات ثابتة، يحمل بين يديه دفترًا صغيرًا وجهاز عرض صغيرًا، لكن لم يكن هناك أي شريحة عرض تقليدية اليوم. نظر حوله بعينين لامعتين، مزيج من الحزم والحماس.
“صباح الخير للجميع.” قال بصوت دافئ، يتردد صداه برفق في القاعة. “اليوم لن تكون لدينا محاضرة. لا ملاحظات لكتابتها، ولا امتحان مفاجئ.” ثم توقف للحظة، مما جعل بعض الطلاب يبدون ارتياحًا سريعًا. ابتسامة خفيفة ارتسمت على وجهه قبل أن يكمل: “لكن لدينا مهمة أصعب. اليوم، سنتحدث عن أنفسنا.”
بدأ الطلاب ينظرون إلى بعضهم البعض بفضول. البعض بدا متحفزًا، والبعض الآخر تظاهر بالاهتمام، بينما ارتفعت حاجب “ليلى”، الطالبة المعروفة بحبها للتحديات الفكرية. بجانبها جلس “أمين”، الطالب الذي بالكاد يحضر المحاضرات ولكنه حضر اليوم بدافع الفضول، مستندًا إلى كرسيه بإهمال، يلوح بقلمه بين أصابعه كمن يقول: “لن يُغير هذا شيئًا.”
أشار عبدالرزاق إلى الكراسي الفارغة: “تفضلوا، اجلسوا. لدينا نقاش صريح اليوم: لماذا يعزف بعض طلاب الجامعات عن الجدية في دراستهم؟ لا أحكام مسبقة، لا إجابات صحيحة أو خاطئة. فقط أفكار وتجارب.”
مع مرور دقائق، امتلأت المقاعد. جلست “سارة” بحذر، وعيناها تتابع الجميع في صمت، بينما جلس “وليد” وهو يعبث بساعته الذكية، محاولًا إخفاء تململه. بدأ الجو يمتزج بين الفضول والمقاومة الخفية.
كسر عبدالرزاق الصمت قائلًا بابتسامة خفيفة: “لنبدأ بسؤال بسيط. هل تعتقدون أن هناك فعلًا مشكلة في جدية الطلاب؟ أم أن الكبار يبالغون في هذا الأمر؟”
رفعت ليلى يدها بثقة قبل أن يلمحها عبدالرزاق: “أعتقد أن هناك مشكلة فعلًا. أشعر أحيانًا أن بعض زملائي يتعاملون مع الجامعة وكأنها محطة مؤقتة بلا قيمة حقيقية.”
ضحك أمين بخفة ساخرة: “أوه، هذا لأن الجامعة مملة ببساطة. المحاضرات مكررة، والمناهج قديمة. لماذا نتظاهر أن كل شيء مثير للاهتمام؟”
ارتفعت بعض الحواجب، وتبادلت سارة ووليد نظرات جانبية، بينما تحرك عبدالرزاق في مكانه قليلًا، مستمتعًا ببدء اشتعال شرارة النقاش.
“مثير للاهتمام!” قال عبدالرزاق وهو يدوّن شيئًا سريعًا في دفتره. “هل المشكلة في الطلاب… أم في طريقة تقديم المعرفة لهم؟”
ساد الصمت للحظة. نظرات متبادلة. أفكار تتشكل. وهكذا بدأ النقاش يأخذ منعطفه الأول.

الفصل الثاني: اشتعال شرارة النقاش – هل الملل هو السبب الحقيقي لعزوف الطلاب؟
ساد الصمت لثوانٍ، لكنه لم يكن صمتًا فارغًا؛ كان صمتًا يتخلله صدى الأفكار غير المعلنة. نظر عبدالرزاق إلى وجوه الطلاب بتأنٍ، عينه تتحرك بين ليلى وأمين، بين الجدية والتهكم. ابتسم ابتسامة صغيرة، تلك الابتسامة التي يعرفها طلابه جيدًا—ابتسامة تقول: لقد بدأنا.
“أمين يقول إن المحاضرات مملة.” قال عبدالرزاق وهو يضع قلمه جانبًا، مستندًا إلى الطاولة بيديه. “لكن هل الملل عذر كافٍ للتخلي عن مستقبلنا الأكاديمي؟”
رفعت سارة يدها، ببطء كأنها تفكر في الكلمات قبل أن تمنحها صوتًا: “ليس الملل وحده. أحيانًا أشعر أن ما نتعلمه لا يرتبط بحياتي الواقعية. نحفظ لننجح في الامتحان فقط، لا لنتعلم حقًا.”
هز أمين رأسه موافقًا، بينما ارتسمت على شفتيه ابتسامة انتصار صغيرة، كأنه وجد حليفًا غير متوقع. “بالضبط! لماذا يجب أن أهتم بمعلومات لن أستخدمها خارج هذه القاعة؟”
تنحنحت ليلى، مائلة قليلًا للأمام، وكأنها تستعد لإطلاق سهم فكري حاد: “لكن إذا انتظرنا أن يكون كل شيء في الحياة ممتعًا أو مرتبطًا مباشرةً بما نريده الآن، فلن نتعلم شيئًا أبدًا. بعض الأمور تحتاج للصبر والانضباط حتى لو لم تكن جذابة في البداية.”
تحرك وليد في مقعده، وقد بدا عليه مزيج من الفضول والانزعاج. “لكن، ليلى، ما فائدة الصبر إذا كانت النتيجة مجرد شهادة بدون مهارات حقيقية؟ هل ندرس لنجمع الأوراق أم لنصبح أشخاصًا أفضل؟”
توقف الجميع لحظة. كانت تلك واحدة من تلك الأسئلة التي تُلقي بثقلها على الغرفة.
عبدالرزاق، بعينين تلمعان بدهاء، التقط الفكرة فورًا. “سؤال جيد جدًا يا وليد. هل الهدف من الجامعة هو الحصول على شهادة أم بناء شخصية قادرة على مواجهة الحياة؟“
لم ينتظر أحد الإجابة، فقد بدأت أصوات الأفكار تتزاحم.
“أعتقد أن المشكلة في طريقة التدريس.” قال أحد الطلاب من الزاوية، لم يكن قد تحدث بعد—”يوسف”، طالب هادئ عادةً، لكن يبدو أن شيئًا ما حرك داخله رغبة في المشاركة. “لو كانت المحاضرات أكثر تفاعلًا، مشاريع عملية بدلًا من الحفظ فقط، ربما كنا سنهتم أكثر.”
أومأت سارة برأسها بسرعة: “صحيح. أحيانًا أحس أنني مجرد رقم في قائمة الحضور، لا أحد يهتم حقًا إذا كنت أفهم أو لا.”
ضحك أمين قائلاً: “أحيانًا أشك أن حتى الأساتذة يشعرون بالملل!”
ضحك بعض الطلاب بينما رفع عبدالرزاق حاجبه، لكنه رد بابتسامة: “وهل تعتقد أنني أستمتع بشرح نظرية الإدارة الكلاسيكية خمس مرات في الأسبوع؟”
انفجر الطلاب بالضحك، وكان هذا اللحظة التي كسر فيها عبدالرزاق الجدار بين الأستاذ والطلاب، ليصبح الجميع شركاء في النقاش.
ثم أكمل، وقد أصبحت نبرته أكثر دفئًا: “لكنني أحب رؤية تلك اللحظة التي يلمع فيها وعي أحدكم بفكرة جديدة. هذا هو مكافأتي الحقيقية.”
خيم صمت آخر، لكنه هذه المرة كان صمتًا من النوع الجيد—صمتًا يفكر فيه الجميع فيما سمعوه للتو.
“ربما المشكلة ليست في الجامعة فقط.” قالت ليلى بعد لحظة. “ربما في طريقة تعاملنا مع التعليم ذاته. نحن نرى الدراسة كعبء، لا كفرصة.”
تنهد أمين، ثم قال: “حسنًا… ربما. لكن لا يمكنك إنكار أن بعض المقررات مملة جدًا!”
ابتسم عبدالرزاق مجددًا: “اتفق معك. لكن… هل من المفترض أن يكون كل شيء ممتعًا؟ أم أن هناك قيمة حتى في الأشياء التي لا نحبها؟”
وبين ضحكات خفيفة، وعيون بدأت تفكر بعمق أكبر، كان الفصل الثاني قد اكتمل—اشتعلت الشرارة بالفعل، ولم يعد بإمكان أحد إيقاف النار الفكرية.

الفصل الثالث: انعكاسات في مرآة الذات – مواجهة الحقيقة حول عزوف طلاب الجامعات
بدأت حرارة النقاش تنبعث لا من سخونة الكلمات فحسب، بل من العصف الذهني الذي غمر القاعة. لم يعد أحد يجلس كما دخل، لم تعد الكراسي مجرد مقاعد، بل منصات أفكار تتصارع وتتداخل وتتشكل.
عبدالرزاق وقف للحظة، كمن يستنشق عمق الفكرة قبل أن يغوص في بحرها. ثم قال بنبرة أكثر هدوءًا:
“حسنًا، دعونا نتوقف عن الحديث عن الجامعة للحظة. أخبروني، ماذا تعني لكم الدراسة شخصيًا؟ ليس للآخرين، ليس للدرجات، فقط… لكم.”
ساد صمت عميق. نظرات طلابية تتنقل بين الأرض والسقف، وبين عيون بعضها البعض. إنها ليست من تلك الأسئلة التي تُجاب بسرعة. كانت أشبه بمفتاح صغير لباب كبير.
كسرت سارة الصمت بصوت خافت، لكن يحمل قوة خفية:
“بالنسبة لي… الدراسة كانت دائمًا وسيلة للهروب. الهروب من توقعات الآخرين. أعتقدت أنه إذا حصلت على درجات جيدة، لن يسألني أحد عن شيء آخر. لكن الآن… لم أعد متأكدة لماذا أواصل.”
كانت كلماتها مثل حجر سقط في بركة راكدة، محدثًا دوائر من التأمل الصامت في العيون التي تراقبها.
أمين، الذي بدا عليه لأول مرة شيء من الجدية، قال وهو يميل للأمام، صوته أقل تهكمًا هذه المرة:
“أنا أدرس لأن… لأنني لا أعرف ماذا أفعل غير ذلك. الجميع يقول: ‘ادرس، احصل على شهادة، ستنجح.’ لكن لم يخبرني أحد لماذا هذا النجاح مهم. ربما لهذا السبب لا أشعر بأي دافع حقيقي.”
تبادل الطلاب نظرات صامتة، كأن كل جملة تسحب خيوطًا خفية من أفكارهم الخاصة.
ابتسم عبدالرزاق، ابتسامة رقيقة لكنها مليئة بالمعرفة:
“أنتم تلمسون الآن جوهر المشكلة. ليس فقط في قاعات الدراسة، بل في أعماقنا. أحيانًا، نفقد الحافز لأننا نعيش وفق توقعات الآخرين، لا وفق ما نؤمن به نحن.”
رفعت ليلى يدها، هذه المرة أقل حدة وأكثر تأملًا:
“لكن أليس من الطبيعي أن نشعر بالضياع أحيانًا؟ الحياة ليست خريطة واضحة. ربما الدراسة ليست الهدف، بل وسيلة لاكتشاف أنفسنا.”
كلماتها حملت وزنًا ثقيلًا، ليس لأنها عميقة فقط، بل لأنها لم تأتِ من كتاب دراسي، بل من مكان داخلي صادق.
ضحك وليد وهو يمرر يده في شعره بطريقة عفوية:
“إذا كان الأمر هكذا، فأنا اكتشفت أنني… بارع في التسويف!”
ضحك الطلاب، حتى عبدالرزاق ضحك بصوت خفيف، لكن الضحك لم يكن سطحيًا، كان مثل تنفيس عن ضغط داخلي.
ثم قال عبدالرزاق، وقد عاد بتركيزه:
“التسويف ليس عدوًا دائمًا. أحيانًا هو مجرد إشارة أن هناك شيئًا لا نفهمه بعد. الخوف، الشك، وحتى الكسل—كلها إشارات علينا الاستماع إليها، لا تجاهلها.”
جلس عبدالرزاق على أحد الكراسي هذه المرة، مساويًا إياهم في الارتفاع، وكأنه يقول: أنا هنا معكم، لست فوقكم.
“لنعد للسؤال: ماذا تعني لكم الدراسة؟ لكن هذه المرة، أريدكم أن تفكروا ليس في الإجابة الآن، بل ربما بعد أسبوع… شهر… أو حتى سنة.”
ساد صمت مختلف. ليس صمت التردد، بل صمت التأمل. عيون واجهت السقف والجدران، لكن هذه المرة لم تكن تبحث عن إجابة في الخارج، بل في الداخل.
وقف عبدالرزاق، مطويًا دفتر ملاحظاته دون أن يكتب شيئًا جديدًا، وقال بابتسامة هادئة:
“أعتقد أننا أحرزنا تقدمًا اليوم. ليس لأننا وجدنا جميع الإجابات، بل لأننا بدأنا نطرح الأسئلة الصحيحة.

الفصل الرابع: أصوات الحكمة بين السطور – البحث عن جذور عزوف الطلاب
مرت دقائق النقاش السابقة مثل موجات تتلاطم على شاطئ الوعي، تُغسل أفكارًا قديمة وتترك خلفها أثارًا عميقة. جلس الجميع وقد خفتت نبرة الأصوات العالية، لتحل محلها نغمة تأملية هادئة، كأن كل طالب كان يستمع لصوت داخلي يهمس له بأسئلة لم يجرؤ على طرحها من قبل.
عبدالرزاق، الذي كان يستمع أكثر مما يتحدث، وقف أخيرًا، يخطو ببطء نحو منتصف الدائرة، وعيونه تتجول بين وجوه طلابه، كأنه يرى في كل منهم قصة لم تُروَ بعد.
“تعلمون،” بدأ حديثه بصوت خافت لكن يحمل وزنًا من المعنى، “قال ألبرت أينشتاين ذات مرة:
‘لا يمكنك حل مشكلة بنفس طريقة التفكير التي صنعتها.’
ربما هذا ما نفعله اليوم… نحاول التفكير بطريقة مختلفة.”
ساد صمت تأملي للحظات. بدا أن الكلمات لامست شيئًا في أعماق البعض.
“المشكلة ليست في الملل أو المناهج فقط،” تابع عبدالرزاق، “بل ربما في الطريقة التي نرى بها التعلم ذاته. هل نراه كواجب ثقيل، أم فرصة لاكتشاف أنفسنا؟”
رفعت سارة يدها، لم تكن تلك الحركة المعتادة لطالبة تطلب الكلام، بل كأنها ترفع يدها لتُمسك بفكرة قبل أن تهرب:
“أعتقد أننا نخاف من الفشل أكثر مما نخاف من الملل.”
ثم تنهدت بعمق وأضافت: “قالت جينيفر لي ذات مرة: ‘كن شجاعًا بما يكفي لتكون سيئًا في شيء جديد.’
ربما هذا ما نفتقده… الشجاعة لتجربة أشياء لا نبرع فيها فورًا.”
ابتسم عبدالرزاق بتقدير: “رائع، يا سارة. هذا ما كنت أفكر فيه أيضًا.”
أمين، الذي اعتاد المزاح والسخرية، بدا أكثر جدية الآن:
“لكن ماذا لو حاولنا وفشلنا فعلًا؟ ماذا لو لم نكن جيدين بما يكفي؟”
كان صوته يحمل شيئًا من القلق الحقيقي هذه المرة، كأن السؤال موجه لنفسه أكثر من أي شخص آخر.
نظر إليه عبدالرزاق بابتسامة مليئة بالفهم، وقال:
“وهل تعرف ماذا قال نيلسون مانديلا؟
‘أنا لا أخسر أبدًا. إما أن أفوز أو أتعلم.’
الفشل ليس النهاية يا أمين، بل هو مجرد درس على طريق النجاح.”

بدت ملامح أمين وكأنها تستوعب المعنى ببطء. لم يجب، لكنه أومأ برأسه بخفة، كأنه يعترف بشيء داخلي لم يعلنه.
رفعت ليلى حاجبها، وقالت بابتسامة خفيفة:
“وهل يعني هذا أننا يجب أن نستمتع بكل لحظة حتى عندما تكون مملة؟”
كان في صوتها خليط من المزاح والفضول الحقيقي.
ضحك عبدالرزاق بخفة:
“ليس تمامًا. لكن كما قال مارك توين:
‘لا تدع التعليم المدرسي يتعارض مع تعليمك الحقيقي.’
المحاضرات قد تكون مملة أحيانًا، لكن التعلم الحقيقي يحدث عندما ننظر للعالم من حولنا بعقل متفتح، حتى وسط الروتين.”
ثم توقف للحظة، ينظر إلى وجوههم التي لم تعد كما كانت في بداية الجلسة—بعضها أكثر إشراقًا، وبعضها أكثر عمقًا.
“ربما السر ليس في تغيير الجامعة أو المناهج فقط، بل في تغيير طريقة تفكيرنا. في البحث عن معنى شخصي لما نتعلمه.”
رفع وليد صوته هذه المرة، قائلاً بابتسامة نصف جادة:
“إذا كان هذا هو السر… فأعتقد أنني سأحتاج لخريطة!”
ضحك الجميع، لكن هذه المرة لم يكن الضحك للهروب من الجدية، بل كان جزءًا منها—كأنهم فهموا أن الحكمة ليست دائمًا ثقيلة، بل أحيانًا تختبئ خلف ابتسامة صادقة.
اقترب عبدالرزاق من الطاولة، وأغلق دفتره دون أن يكتب شيئًا جديدًا.
“ربما لا توجد خريطة محددة يا وليد… لكن ربما، فقط ربما، كل سؤال نطرحه اليوم هو خطوة على الطريق.”
الفصل الخامس: البوصلة الداخلية – خطوات عملية لمواجهة عزوف طلاب الجامعات
كانت الشمس قد بدأت تميل نحو الغروب، تملأ قاعة النقاش بضوء ذهبي خافت يعكس دفئًا غريبًا على وجوه الحاضرين. بدا أن شيئًا قد تغير في الجو، ليس فقط بسبب الوقت، بل لأن الأفكار التي طُرحت على الطاولة كانت أكبر من مجرد نقاش عابر. كان هناك صمت جديد يملأ المكان—صمت لا يعني نهاية الحديث، بل بداية فهم أعمق.
جلس عبدالرزاق مجددًا، ووضع يديه على الطاولة برفق، ثم نظر إلى طلابه وقال بهدوء:
“لقد قطعنا رحلة اليوم، ليس في الكلمات فقط، بل في أنفسنا. والآن، أريد أن أسألكم سؤالًا أخيرًا: ما الذي تعلمتموه اليوم، ليس عن الجامعة… بل عن أنفسكم؟“
تبادلت العيون النظرات. لم يكن السؤال سهلاً، لكنه لم يكن مخيفًا أيضًا. كان مثل مرآة وُضعت أمام الجميع، لا تعكس الوجوه فحسب، بل ما وراءها.
تحدثت ليلى أولاً، وصوتها يحمل مزيجًا من الثقة والتأمل:
“أدركت أنني كنت أظن أن الاجتهاد يعني فقط الدراسة بجد. لكن ربما الاجتهاد الحقيقي هو أن تفهم لماذا تفعل ما تفعله.”
توقفت لحظة، ثم أضافت بابتسامة خفيفة:
“لقد كنت أتعامل مع الدراسة كسباق… واليوم فهمت أنها أشبه برحلة.”
ابتسم عبدالرزاق، وكأنه كان ينتظر هذا الإدراك. ثم أشار برأسه نحو أمين، الذي بدا مترددًا للحظة قبل أن يتكلم:
“أعتقد أنني أدركت… أنني خائف أكثر مما أريد الاعتراف به.”
ضحك بخفة، ليس سخرية هذه المرة، بل نوع من التخفيف عن النفس.
“كنت أعتقد أن السخرية تحميني من هذا الخوف. لكن الحقيقة؟ أنا فقط لا أريد أن أفشل.”
هز عبدالرزاق رأسه بتفهم، قائلاً:
“الخوف طبيعي يا أمين. لكن كما قال إليانور روزفلت:
‘افعل الشيء الذي تخشاه، ولن يعود الخوف يسيطر عليك.’
أنت بالفعل بدأت اليوم بمواجهة هذا الخوف، بمجرد أنك تحدثت عنه.”
أمين أومأ برأسه، وقد خفتت ابتسامته، لكنها بقيت حقيقية.
سارة، التي كانت تتابع بصمت عميق، قالت أخيرًا:
“تعلمت أنني لست وحدي. كنت أعتقد أن الشك في الذات هو شيء يخصني فقط، لكن اليوم أدركت أن الجميع يحمل هذا الصوت الخافت في داخله.”
ثم أضافت بهدوء:
“ربما لا يتعلق الأمر بإسكات هذا الصوت، بل بفهمه.”
أغلق عبدالرزاق عينيه لثوانٍ، كأن كلمتها لامست شيئًا داخله أيضًا. ثم قال بابتسامة هادئة:
“قال رومي:
‘ما تبحث عنه يبحث عنك.’
وربما هذا هو ما فعلناه اليوم. بحثنا عن فهم أكبر لأنفسنا، ووجدنا أن الإجابات لم تكن بعيدة أبدًا.”

وقبل أن ينهض الجميع، أضاف عبدالرزاق:
“لن أنهي هذا النقاش بنصيحة، بل بسؤال:
إذا كان بوسعك تغيير شيء واحد في طريقة تعاملك مع دراستك، فماذا سيكون؟“
لم يجب أحد. لم يكن ذلك لأنهم لم يعرفوا الإجابة، بل لأنهم جميعًا كانوا يفكرون فيها بجدية.
غادروا القاعة بعد ذلك، لكن النقاش لم ينتهِ فعليًا. كان قد بدأ للتو—داخل كل واحد منهم.
وقف عبدالرزاق للحظة وهو يراقب المقاعد الفارغة، ثم ابتسم ابتسامة صغيرة وهو يفكر:
“ربما كانت هذه أفضل محاضرة لم أُلقِها.”