المنظمة والبيئة: علاقة تكاملية ومتغيرة

مرحبا بكم في محاضرتنا حول فهم العلاقة التي تربط بين المنظمة والبيئة التي تحيطها.

التي في رحلة اكتشافنا لفهم عالم الإدارة الاستراتيجية، تعرفنا في محاضراتنا السابقة على مراحل تطور الإدارة الاستراتيجية، والتقينا بالمدارس الفكرية المُختلفة التي أثرّت على تطور الفكر الإداري الاستراتيجي. ومع ذلك، لا يمكن فصل الاستراتيجية عن المحيط الذي تعمل فيه المنظمة. فالعالم من حولنا مُتغير دائمًا، وتُواجه المنظمات مجموعة واسعة من التحديات والتغييرات التي لا يمكن تجاهلها.

يُعدّ فهم علاقة المنظمة والبيئة الأساس الذي تُبنى عليه الاستراتيجية. فمن خلال فهم قوى السوق ، وتوقعات العملاء، والتغييرات التكنولوجية، والتحديات السياسية والمجتمعية، تستطيع المنظمة بناء استراتيجية فعالة تُمكّنها من التكيف مع الظروف المتغيرة، وتحقيق النجاح على المدى الطويل.

في هذه المحاضرة، سنناقش فكرة النظام المفتوح في الإدارة والمنظمات، بالتطرق للمفاهيم الرئيسية التي تقوم عليها، والمؤسسات التي ساهمت في تطويرها. كما سنتعرف على مفهوم البيئة التنظيمية وتأثيرها على المنظمة، بالإضافة إلى طرق تكيف المنظمات مع بيئاتها، والعوامل المؤثرة على قدرتها على التكيف. ونختم المقال بتقديم أدوات تُستخدم للفهم والتقييم البيئة التنظيمية.

المنظمة كنظام مفتوح

تشير نظرية النظم المفتوحة ببساطة إلى مفهوم أن المنظمة تتأثر بشدة ببيئتها. تتكون البيئة من منظمات أخرى تمارس تأثيرات متنوعة ذات طبيعة اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية. كما توفر البيئة موارد أساسية تُبقي على استدامة المنظمة وتؤدي إلى التغيير والبقاء.

ظهرت جذور نظرية المنظمة كنظام مفتوح في أوائل القرن العشرين كرد فعل على النظريات السابقة للمنظمات، مثل منظور العلاقات الإنسانية لإلتون مايو والنظريات الإدارية لهنري فايول، والتي كانت تعامل المنظمة إلى حد كبير ككيان مغلق، ورسخت أركانها في مجال الإدارة الاستراتيجية ودراسات المنظمات بحلول الخمسينيات.

يعود الفضل الكبير في تأسيس هذه النظرية إلى لودفيج فون بيرتالانفي، عالم الأحياء النمساوي، الذي وضع أسس نظرية النظم العامة. أكد بيرتالانفي على ضرورة تحليل جميع الأنظمة، سواء كانت بيولوجية أو اجتماعية أو تنظيمية، في علاقتها ببيئاتها لفهم وظائفها وتفاعلاتها بشكل كامل.

كما ساهم كل من دانيل كاتز وروبرت إل. كان – وهما عالمان اجتماعيان ومؤلفا كتاب “علم النفس الاجتماعي للمنظمات” (1966)- بشكل كبير في نقل فكرة الأنظمة المفتوحة إلى مجال سلوك المنظمات. أظهر كاتز وكان أن المنظمات تعتمد على تدفق مستمر للموارد والمعلومات للحفاظ على توازنها مع بيئتها.

أيضا، وسع جيمس دي. تومسون النظرية من خلال تحليل كيفية تعامل المنظمات مع عدم اليقين البيئي. في كتابه “المنظمات في العمل” (1967)، قدم تومسون أفكارًا ساعدت في تشكيل نظرية الطوارئ، والتي تؤكد على أن الهيكل التنظيمي الفعال يعتمد على طبيعة ومتطلبات بيئته.

 بالاضافة  الى تالكت بارسونز، وهو عالم اجتماع بارز، وسع نظرية النظم من خلال إظهار كيف توجد الأنظمة الفردية داخل أنظمة اجتماعية أكبر وأكثر تعقيدًا. أكد عمله على الحاجة إلى أن تتكيف المنظمات من أجل البقاء.

أثبت هؤلاء الرواد أن نظرية الأنظمة المفتوحة هي منظور أساسي في الإدارة الاستراتيجية، حيث توضح كيف أن استجابة المنظمة وقدرتها على التكيف وتوافقها مع بيئتها ضرورية لتحقيق ميزة تنافسية ونجاح طويل الأمد. تدعم هذه النظرية الحاجة إلى تحليل البيئة وتحديد الاستراتيجيات المناسبة.

تشمل الخصائص الرئيسية للنظام المفتوح ما يلي:

المدخلات: الموارد والمعلومات من البيئة

العمليات: عمليات وأنشطة المنظمة

المخرجات: المنتجات والخدمات المقدمة للبيئة

التغذية الراجعة: المعلومات التي يتم إرسالها مرة أخرى إلى المنظمة لمساعدتها على التكيف والتحسين.

تؤكد هذه النظرية على أهمية القدرة على التكيف والمرونة والترابط مع البيئة.

مفهوم البيئة التنظيمية:

فيما يلي مجموعة من تعريفات لبيئة المنظمة ، وهي:

  • تعريف 1 : البيئة التنظيمية هي :”مجموعة الظروف الخارجية التي تُؤثر على سلوك المنظمة”. (Parsons, 55)
  • تعريف 2: “مجموعة المؤسسات أو القوى الخارجية عن المُؤسسة التي يُحتمل أن تُؤثر على أدائها”.
  • تعريف 3: ” جميع العناصر الموجودة خارج حدود المنظمة والتي لديها القدرة على التأثير على المنظمة بأكملها أو جزء منها”.
  •  تعريف 4:  بيئة المنظمة هي: “مجموعة العوامل والقوى الداخلية والخارجية التي تؤثر على أداء المنظمة وقدرتها على تحقيق أهدافها. وتشمل هذه العوامل الموارد البشرية والمادية والتكنولوجية، بالإضافة إلى العوامل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية المحيطة بالمنظمة”.
  • تعريف 5:  بيئة المنظمة هي : “الإطار الشامل الذي تعمل فيه المنظمة، ويتضمن جميع المتغيرات والعناصر التي تتفاعل معها المنظمة بشكل مباشر أو غير مباشر. وتنقسم إلى بيئة داخلية تتعلق بالهيكل التنظيمي والثقافة التنظيمية، وبيئة خارجية تشمل المنافسين والعملاء والموردين والتشريعات الحكومية”.
  • تعريف 6: بيئة المنظمة هي: “النظام المتكامل من العوامل والظروف المحيطة بالمنظمة، والتي تؤثر على قراراتها الاستراتيجية وأنشطتها التشغيلية. وتتميز بيئة المنظمة بالديناميكية والتعقيد، مما يتطلب من المنظمة التكيف المستمر والاستجابة الفعالة للتغيرات البيئية لضمان بقائها ونموها”..

من خلال التعريفات السابقة ُ، يعد مفهوم البيئة التنظيمية مركزيًا لفهم سلوك المنظمة واستراتيجيتها وأدائها. وهو مفهوم متعدد الأوجه يشمل جميع العوامل، سواء الداخلية أو الخارجية، التي يمكن أن تؤثر على عمليات المنظمة.  هذه العوامل ديناميكية ومترابطة، مما يخلق مشهدًا معقدًا ودائم التغير يجب على المنظمات التنقل فيه لتحقيق أهدافها.

كيف تؤثر البيئة على المنظمات؟

تؤثر البيئة على المنظمات من خلال ثلاثة أنواع من المدخلات:

  1. النوع الأول من المدخلات: هو الذي يُستخدم مباشرة في عمليات المنظمة:
  2.  الموظفون، بمستويات مهاراتهم وتعليمهم وأخلاقيات عملهم
  3.  المواد والسلع والخدمات التي تشتريها المنظمة، بما في ذلك توفر الإمدادات.

2. النوع الثاني من المدخلات: هو اللوائح والقوانين والأنظمة السياسية والاقتصادية، وكلها تشكل البيئة المعنية لعدد من المنظمات.

3. النوع الثالث من المدخلات: هو مجموعة من متطلبات المخرجات المتوقعة من المنظمة من قبل العملاء الحاليين والمستقبليين.

المنظمة والبيئة: طبيعة العلاقة بينهما

إن العلاقة بين المنظمة وبيئتها عبارة عن تفاعل ديناميكي متعدد الاتجاهات، يتميز بالتكيف والتأثير المستمرين. وهناك وجهتا نظر أساسيتان حول هذه العلاقة، وكلاهما يؤكد على أنها ليست جامدة ولا من جانب واحد بل هي عملية مستمرة من التأثير المتبادل والتكيف. دعونا نستكشف وجهتي النظر هذه بالتفصيل.

 1. التكيف مع البيئة

يجب على المنظمات أن تتكيف مع التغيرات الخارجية، وتطوير استراتيجياتها للبقاء والازدهار في ظل المنافسة، وتحولات التكنولوجيا، ومتطلبات المستهلكين.

  • التكيف كضرورة للبقاء

يشير هذا المنظور إلى أن المنظمات يجب أن تراقب باستمرار التغيرات في بيئتها الخارجية، وتعديل الاستراتيجيات حسب الحاجة لضمان الاستدامة. والمنظمات غير القادرة على التكيف تخاطر بالتخلف عن المنافسين، أو فقدان أهميتها لدى العملاء، أو تصبح قديمة بسبب التحولات في التكنولوجيا وتوقعات المستهلكين.

  • الاستجابة للتحولات الخارجية

يتضمن التكيف البقاء متجاوبًا مع القوى التنافسية والتقدم التكنولوجي والتحولات في تفضيلات العملاء والعوامل الخارجية الأخرى. ومن خلال بقاء المنظمات يقظة ومرنة، يمكنها إعادة معايرة استراتيجياتها وعملياتها، وضمان وضعها في وضع أفضل لمواجهة التحديات والاستفادة من الفرص الجديدة.

 2. تشكيل البيئة

إلى جانب التكيف السلبي، تؤثر المنظمات بنشاط على محيطها، وتدفع التغيير من خلال الابتكار والتحالفات والمشاركة في السياسات وجهود التسويق المستهدفة.

  • المنظمة كفاعل مؤثر

ينظر هذا المنظور إلى المنظمات على أنها أكثر من مجرد متلقين سلبيين للتأثيرات البيئية. بل إنها تنظر إليها كقوى استباقيين قادرين على التأثير على بيئتهم وحتى إعادة تشكيلها لتناسب أهدافهم بشكل أفضل.

  • استراتيجيات تشكيل البيئة

يمكن للمنظمات استخدام استراتيجيات مختلفة لتشكيل بيئتها بشكل نشط، بما في ذلك:

– الابتكار: تقديم منتجات أو خدمات جديدة تعمل على تغيير ديناميكيات السوق، مما يمنح المنظمة ميزة تنافسية.

– بناء التحالفات: التعاون مع شركات أخرى للتأثير على قوى السوق وتضخيم تأثيرها على معايير الصناعة.

– المشاركة السياسية: العمل على التأثير على القوانين واللوائح التي تؤثر على قطاعات معينة من خلال الضغط أو الدعوة إلى السياسات.

– التسويق والترويج: الاستفادة من العلامات التجارية والإعلان لتشكيل تفضيلات المستهلكين، وخلق طلب جديد على منتجات أو خدمات معينة.

عادةً ما تتضمن علاقة المنظمة بالبيئة مزيجًا من التكيف والتشكيل. يجب على المنظمات التكيف مع التحولات البيئية للحفاظ على الأهمية والقدرة التنافسية، ومع ذلك فهي تمتلك أيضًا القدرة على التأثير على محيطها، وتشكيل جوانب البيئة لتتوافق مع أهدافها الاستراتيجية.

تصنيفات البيئة التنظيمية:

تم تطوير تصنيفات مختلفة للبيئة من قبل العديد من الباحثين، من أهمها:

  • إيميري وتريست (1965): حددوا أربعة أنواع من البيئة:
  • هادئة وعشوائية (البيئة مستقرة وغير متغيرة).
  • هادئة ومجمعة (البيئة مستقرة ولكن مع تواصل أكبر بين المنظمات والمتغيرات البيئية).
  • مضطربة وتفاعلية (البيئة متغيرة وتشارك المنظمات في عملية مستمرة من المنافسة).
  • مضطربة (البيئة في حالة تغير مستمر وإعادة تعريف أسس النجاح التنظيمي).
  • أنسوف (1965) : حدد خمس فئات مميزة تصف الظروف البيئية:
  • مستقرة (هادئة وغير مضطربة(
  • تفاعلية (بطيئة التغيير ومتكررة).
  • توقعية (تتغير بشكل تدريجي).
  • استكشافية (تتغير بشكل غير متكرر ولكن غير متوقع).
  • إبداعية (مضطربة بشدة).
  • دنكان (1972):أعاد صياغة أقمشة إيميري وتريست السببية وأنواع أنسوف إلى تصنيفات قائمة على الأقطاب المتضادة:
  • بسيط/ثابت (تغيير طفيف)
  • معقد/ديناميكي (عدم اليقين)
  • مايلز وسنو (1978):  يوفر تصنيفًا يلخص سلوك المنظمة في بيئتها:
  • المستكشف (البيئة استباقية)
  • المحلل (البيئة محددة)
  • المدافع (البيئة مستقرة)
  • المتفاعل (البيئة مضطربة)

 تصنيف يجمع بين أفضل جوانب التصنيفات المختلفة، ويوفر نظرة شاملة على البيئة:

البيئة العامة:

  • السياسية (Political): السياسات الحكومية، القوانين، اللوائح، التغييرات السياسية، الاستقرار السياسي.
  • الاقتصادية (Economic): النمو الاقتصادي، معدلات الفائدة، التضخم، أسعار الصرف، أسعار الطاقة، أسعار المواد الخام، القوى العاملة، الاستهلاك.
  • الاجتماعية (Social): الديموغرافيا، الاتجاهات الثقافية، أساليب الحياة، التعليم، الصحة، القيم الاجتماعية، السلوك الاستهلاكي.
  • التكنولوجية (Technological): التطورات التكنولوجية، الابتكارات، الإنترنت، الذكاء الاصطناعي، الاتصالات، وسائل النقل.
  • اللغوية (Linguistic): اللغات السائدة، تأثير اللغات على التسويق، انتشار اللغة، انتشار الترجمة.
  • البيئية (Environmental): التغير المناخي، قوانين البيئة، استدامة البيئة، التلوث، الموارد الطبيعية.
  • الديموغرافية (Demographic): التركيبة السكانية، النمو السكاني، العمر، الجنس، التعليم، الدخل، العرق.

البيئة المهمة:

  • الموردين (Suppliers): جودة الموردين، أسعار المواد الخام، موثوقية التوريد، شروط الدفع، منافسة الموردين.
  • العملاء (Customers): احتياجات العملاء، توقعات العملاء، سلوك الشراء، ولاء العملاء، المنافسة على العملاء.
  • المنافسين (Competitors): استراتيجيات المنافسين، حصة السوق، منتجات المنافسين، أسعار المنافسين، نقاط قوة وضعف المنافسين.
  • الموظفون (Employees): مهارات الموظفين، دوافع الموظفين، معنويات الموظفين، تدريب الموظفين، الاحتفاظ بالمواهب.
  • النقابات العمالية (Labor Unions): قوة النقابات، المفاوضات، شروط العمل، العلاقات بين الإدارة والعمال.
  • المؤسسات المالية (Financial Institutions): أسعار الفائدة، شروط القروض، الاستثمارات، خدمات المؤسسات المالية.
  • المنظمات الحكومية (Government Agencies): القوانين، اللوائح، التراخيص، الضرائب، الدعم الحكومي.
  • مُجتمعات التأثير (Influence Groups): مجموعات الضغط، المنظمات غير الحكومية، وسائل الإعلام، الرأي العام.

البيئة الداخلية:

  • الهيكل التنظيمي (Organizational Structure): السلطة، المسؤولية، الاتصال، التنسيق، التخصص.
  • الثقافة التنظيمية (Organizational Culture): القيم، المعتقدات، السلوكيات، التقاليد، المبادئ، مبادئ أخلاقية.
  • الموارد البشرية (Human Resources): مهارات الموظفين، معنويات الموظفين، تدريب الموظفين، التوظيف، الاحتفاظ بالمواهب.
  • التكنولوجيا (Technology): البنية التحتية التكنولوجية، التطورات التكنولوجية، البرامج، الأجهزة، الأنظمة.
  • الأداء المالي (Financial Performance): الأرباح، الخسائر، التدفقات النقدية، الإيرادات، المصاريف.

طرق تكيف المنظمات مع بيئاتها

في يلي بعض طرق تكيف المنظمات مع بيئاتها:

1. إعادة تنظيم الاستراتيجية: تعيد المنظمات تقييم وتعديل أهدافها وعملياتها وموقفها التنافسي بشكل منتظم لتتماشى مع التغييرات في البيئة الخارجية.

2.  تبني الهياكل المرنة: من خلال تبني الهياكل التنظيمية المرنة، مثل الإدارة اللامركزية أو الفرق متعددة الوظائف، يمكن للمنظمات الاستجابة بسرعة للتحديات والفرص الجديدة.

3. الرصد المستمر والتحليل: يجب على المنظمات أن تقوم برصد مستمر للتغيرات التي تحدث في بيئتها الخارجية، سواء كانت هذه التغيرات اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية أو تكنولوجية. يتطلب ذلك إجراء دراسات وتحليلات مستفيضة للبيانات المتاحة، وتحديد الاتجاهات المستقبلية.

4. الابتكار وتبني التكنولوجيا

– ابتكار العمليات والمنتجات: يجب على المؤسسات أن تعمل باستمرار على ابتكار عملياتها الداخلية وتطوير منتجات أو خدمات جديدة. وهذا يمكّنها من البقاء على صلة في مواجهة تفضيلات المستهلكين المتغيرة والتطورات التكنولوجية.

– اعتماد التقنيات الجديدة: إن مواكبة أحدث التطورات التكنولوجية يسمح للمؤسسات بتحسين الكفاءة وتعزيز تجارب العملاء وتبسيط العمليات، والحفاظ على قدرتها التنافسية.

5. تخصيص الموارد وتحسينها

– إعادة تخصيص الموارد: تعيد المنظمات تخصيص الموارد بناءً على مجالات الحاجة الأكبر، مما يضمن قدرتها على الاستفادة من فرص السوق الجديدة وتحسين التكاليف.

– تنمية المواهب: يضمن الاستثمار في تدريب الموظفين وتطويرهم أن القوى العاملة لديها المهارات اللازمة للتكيف مع التطورات التكنولوجية أو الاتجاهات الاستراتيجية الجديدة.

6. بناء التحالفات الاستراتيجية

– الشراكات التعاونية: تشكل المنظمات تحالفات مع شركات أخرى أو مؤسسات أكاديمية أو هيئات حكومية لمشاركة الموارد والمعرفة والمخاطر المرتبطة بدخول أسواق جديدة أو معالجة التحديات المعقدة.

نماذج تكيف المنظمات مع بيئاتها:

تقدم لنا الدراسات التنظيمية مجموعة من النماذج التي تصف كيف تتفاعل المنظمات مع التغيرات البيئية. كل نموذج يسلط الضوء على استراتيجيات مختلفة تتبعها المنظمات للتعامل مع الضغوط والفرص الخارجية. إليك بعض النماذج الرئيسية:

  • المدافعون (Defenders): يركز هؤلاء على الحفاظ على بيئة عمل مستقرة من خلال تحسين وتطوير منتجاتهم أو خدماتهم الحالية. فهم يركزون على الكفاءة، والتحكم في التكاليف، وتعميق وجودهم في الأسواق الحالية. غالبًا ما يستثمرون في تحسين العمليات الداخلية وتقليل المخاطر، وقد يكونون أبطأ في تبني التقنيات الجديدة أو دخول أسواق جديدة.
  • الباحثون عن الفرص (Prospectors): يتميز هؤلاء بالديناميكية والنشاط في البحث عن فرص جديدة. فهم يستكشفون باستمرار أسواقًا وتقنيات وابتكارات جديدة، وغالبًا ما يكونون روادًا في تطوير المنتجات وفتح أسواق جديدة. فهم مستعدون للمخاطرة والتجريب، ويركزون على النمو والتوسع.
  • المحللون (Analyzers): يمثل هؤلاء نموذجًا وسطًا بين المدافعين والباحثين عن الفرص. فهم حذرون في استكشاف فرص جديدة، ولكنهم سريعون في تبني الاستراتيجيات والابتكارات الناجحة بعد إثبات جدواها. غالبًا ما يعملون في أسواق مستقرة مع قاعدة عملاء قوية، مع استكشاف فرص جديدة بشكل انتقائي.
  • المتفاعلون (Reactors): هؤلاء هم الأبطأ في الاستجابة للتغيرات البيئية. يفتقرون إلى استراتيجية واضحة للتكيف مع الفرص أو التهديدات الجديدة، ولا يتحركون إلا عندما تجبرهم الضغوط الخارجية على ذلك. غالبًا ما يؤدي هذا النهج إلى تفويت الفرص وتقليل القدرة التنافسية.

تعكس هذه النماذج المختلفة استراتيجيات متنوعة تتبعها المنظمات للتكيف مع بيئاتها. كل نموذج له نقاط قوته وضعفه، وقد تختار المنظمات الانتقال بين هذه النماذج حسب الظروف المتغيرة. من المهم أن تتذكر أن القدرة على التكيف هي مفتاح البقاء والنمو في بيئة الأعمال المتغيرة باستمرار.

العوامل المؤثرة على قدرة المنظمة على التكيف

هناك العديد من العوامل التي تؤثر على قدرة المنظمة على التكيف:

الثقافة التنظيمية: الثقافة التي تحتضن التعلم والتجريب والاتصال المفتوح تعزز القدرة على التكيف. وعلى العكس من ذلك، يمكن للهياكل والثقافات الجامدة والهرمية المقاومة للتغيير أن تعيق التكيف.

القيادة: تلعب القيادة دوراً حاسماً في دفع التغيير التنظيمي وتعزيز ثقافة التكيف. فالقادة الذين يتبنون الأفكار الجديدة، ويعطون الأولوية للرؤية طويلة الأجل، ويمكّنون فرقهم من المرجح أن يقودوا منظماتهم إلى التكيف الناجح. وعلى العكس من ذلك، فإن القيادة التي تتمسك بنماذج عتيقة من الولاء والهياكل الهرمية يمكن أن تعوق قدرة الشركة على التكيف مع المطالب المتزايدة التعقيد والتعاون.

الموارد: يعد الوصول إلى الموارد، بما في ذلك رأس المال المالي والمعرفة والتكنولوجيا، أمراً ضرورياً لتنفيذ الاستراتيجيات التكيفية. على سبيل المثال، أن الموارد التنظيمية، وتعبئتها، تلعب دوراً رئيسياً في ريادة الأعمال المؤسسية الناجحة، وبالتالي التغيير المؤسسي

التقلب البيئي: يؤثر معدل التغير البيئي وعدم القدرة على التنبؤ به بشكل كبير على الحاجة إلى التكيف ونوعه. تتطلب البيئات شديدة الديناميكية مرونة تنظيمية واستجابة أكبر.  فالشركات العاملة في الأسواق عالية السرعة، مثل صناعة أجهزة الكمبيوتر الشخصية، غالبًا ما تخضع لتحولات كبيرة في الديناميكيات التنافسية، مما يتطلب دورات منتجات أسرع، وردود فعل أسرع لاتجاهات السوق، والابتكار المستمر.

التحديات في التكيف مع البيئة:

تواجه المنظمات العديد من التحديات في التكيف مع بيئتها، بما في ذلك:

الجمود التنظيمي: يمكن للهياكل والعمليات والروتينات القائمة أن تخلق مقاومة للتغيير، مما يجعل من الصعب على المنظمات التكيف بسرعة مع الظروف الجديدة. وكما يوضح هيكشر، فإن الهيكل “الأبوي البيروقراطي” التقليدي للعديد من المنظمات يعيق قدرتها على تبني التعاون والاستجابة لظروف السوق المتغيرة بسرعة.

القيود المعرفية: يمكن للتحيزات الإدارية، والمعلومات المحدودة، والصعوبة في تفسير الإشارات البيئية المعقدة أن تعيق التكيف الفعال. على سبيل المثال، يؤكد تحليل دوران على أهمية تجنب التحيزات عند اتخاذ القرارات، لأن تحيز الثقة المفرطة يمكن أن يؤدي إلى التقليل من تقدير التطورات المستقبلية، مما يؤثر سلبًا على أداء المنظمة (دوران، 411).

القيود على الموارد: غالبًا ما يتطلب تنفيذ الاستراتيجيات التكيفية استثمارات كبيرة في التقنيات والمهارات والعمليات الجديدة، والتي قد تكون صعبة بالنسبة للمنظمات ذات الموارد المحدودة. يوضح باتالينا وليكا كيف يمكن لقيود الموارد أن تحد من قدرة المنظمة على تطوير وتنفيذ مشاريع التغيير المؤسسي المهمة.

الأدوات التي تستخدمها المنظمات في فهم وتقييم بيئتها :

تستخدم المنظمات مجموعة من الأدوات والأطر لفهم وتحليل وتقييم بيئاتها، مما يمكنها من اتخاذ قرارات استراتيجية والتكيف بشكل فعال. فيما يلي بعض الأدوات المستخدمة على نطاق واسع:

 1. تحليل PESTEL (البيئة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية والبيئية والقانونية): إذ يساعد تحليل PESTEL المنظمات على تقييم العوامل البيئية الكلية/العامة التي تؤثر على صناعتها وعملياتها. فمن خلال تحليل الاستقرار السياسي والاتجاهات الاقتصادية والديناميكيات الاجتماعية والثقافية والتقدم التكنولوجي والمخاوف البيئية واللوائح القانونية، يمكن للمنظمات استكشاف الفرص والتهديدات وتوقع التأثيرات الخارجية ومواءمة استراتيجياتها.

 2. تحليل SWOT (نقاط القوة والضعف والفرص والتهديدات): يوفر تحليل SWOT وجهة نظر داخلية وخارجية، مما يسمح للمنظمات بتقييم نقاط القوة والضعف لديها مع تحديد الفرص والتهديدات الخارجية. فمن خلال فهم المزايا التنافسية والثغرات، يمكن للمنظمات الاستفادة من الفرص والتخفيف من حدة التهديدات، وتشكيل استراتيجية أكثر مرونة.

 3. نموذج بورتر للقوى الخمس: يقيم هذا النموذج القوى التنافسية داخل الصناعة، بما في ذلك قوة الموردين، وقوة المشترين، والمنافسين الحاليين، وتهديد الوافدين الجدد، وتهديد البدائل. من خلال تحليل هذه القوى، يمكن للمنظمات تحديد مستوى المنافسة في صناعتها، واتخاذ قرارات مستنيرة بشأن تحديد المواقع والتسعير والتحركات الاستراتيجية الأخرى.

 4. المسح البيئي: يتضمن المسح البيئي المراقبة المستمرة للظروف الخارجية والاتجاهات والتطورات التي قد تؤثر على المنظمة. إذ تجمع المنظمات البيانات من مصادر متعددة، مثل تقارير أبحاث السوق، وردود أفعال العملاء، وتحليل المنافسين، للحصول على رؤى حول الاتجاهات والتحولات الناشئة في البيئة الخارجية.

 5. تخطيط السيناريوهات: يساعد تخطيط السيناريوهات المؤسسات على توقع الأحداث المستقبلية المحتملة من خلال إنشاء سيناريوهات افتراضية مختلفة. إذ تستكشف المؤسسات الاستجابات المحتملة لكل سيناريو، وتطوير خطط طوارئ لنتائج مختلفة. هذه الأداة مفيدة بشكل خاص في البيئات غير المؤكدة حيث يصعب التنبؤ بالتغيرات المستقبلية.

 6. المقارنة المعيارية: تتضمن المقارنة المعيارية مقارنة أداء المؤسسة وعملياتها وممارساتها بأداء المنافسين أو قادة الصناعة. فمن خلال المقارنة المعيارية، يمكن للمؤسسات تحديد الفجوات وتحديد أهداف التحسين وتبني أفضل الممارسات لتحسين الكفاءة أو الإنتاجية أو رضا العملاء.

 7. تحليل سلسلة القيمة: يفحص تحليل سلسلة القيمة سلسلة الأنشطة داخل المؤسسة لتحديد طرق خلق وتقديم القيمة للعملاء بشكل أكثر فعالية. فمن خلال تحليل الأنشطة الأساسية والداعمة، تستطيع المنظمات تحديد نقاط القوة وتحسين الموارد وخفض التكاليف، مما يعزز من مكانتها التنافسية في السوق.

الخاتمة:

لا يمكن تجاوز أهمية فهم علاقة المنظمة مع بيئتها في عالم اليوم، فالعالم سريع التغير يُفرض على المنظمات تغيير أسلوب تفكيرها وتحولات جوهرية في استراتيجيتها لبناء مستقبل مُزدهر. فمن خلال التركيز على الاستجابة للتغييرات الناشئة في البيئة ، وتطوير القدرة على التكيف مع الظروف المُتغيرة ، يمكن للمنظمات بناء استراتيجيات فعالة تُمكنها من الاستفادة من الفرص الجديدة و مواجهة التحديات بنجاح.

فمن خلال العرض السابق يمكن استخلاص النقاط الأساسية التالية:

  • يُظهر مفهوم النظام المفتوح أهمية التفاعل المستمر مع البيئة ، فلا يمكن تجاهل الظروف المحيطة وتأثيرها على المنظمة.
  • يُمكن للمنظمة أن تُساهم في تشكيل بيئتها ، ولكن يجب أن تُدرك التأثير الذي تُحدثه البيئة عليها و أن تُغير من سلوكها للتكيف مع التغييرات الناشئة.
  • تضنف بيئة المنظمة الى ثلاث فئات رئيسية هي: البية الداخلية والبيئة المهمة/المباشرة والبيئة العامة .
  • يُمكن بناء استراتيجيات فعالة من خلال فهم الظروف المُحيطة ، و التأمل في الظروف المُستقبلية ، و تحديد فرص السوق و التحديات الجديدة.
  • لا يمكن للمنظمات التحرك بشكل منعزل عن محيطها ، فالعالم مترابط ، و يُفرض على المنظمات التكيف مع هذا الترابطو بناء استراتيجيات تُناسب الظروف الجديدة.تصنف