صورة توضيحية شاملة لمفهوم التسويق الدولي تُظهر الترابط العالمي للأسواق.

مدخل إلى عالم التسويق الدولي: المفاهيم، الأهمية، والتحديات

Share your love

أهلاً وسهلاً بكم أيها الطلاب الأعزاء في رحاب مقياس “التسويق الدولي”. يهدف هذا المقياس بشكل عام إلى تزويدكم بالمعارف والمفاهيم الأساسية المتعلقة بكيفية قيام الشركات بتسويق منتجاتها وخدماتها عبر الحدود الوطنية. إن فهم ديناميكيات التسويق الدولي يعد اليوم ركيزة أساسية لطلاب تخصص التجارة الدولية وإدارة الأعمال ، حيث يفتح لكم آفاقاً واسعة في مساراتكم المهنية المستقبلية، سواء كخبراء في التجارة الدولية، أو كمديري تصدير، أو مستشارين في مجال التسويق الدولي، أو حتى رواد أعمال يتطلعون إلى العالمية. ففي عالم يتسم بالعولمة المتزايدة، لم تعد الأسواق المحلية كافية لطموحات العديد من الشركات، وأصبح التوجه نحو الأسواق الدولية ضرورة استراتيجية للنمو والبقاء .

في هذه المحاضرة الافتتاحية، نسعى لتحقيق مجموعة من الأهداف الرئيسية التي سترسم ملامح فهمكم الأولي لهذا المجال الحيوي. تتمثل هذه الأهداف فيما يلي:

  1. تحديد المفاهيم الأساسية للتسويق بشكل عام و مفهوم التسويق الدولي بشكل خاص: حيث سنقوم بمراجعة مفهوم التسويق كمدخل ضروري، ثم ننتقل لتعريف التسويق الدولي وإبراز خصوصيته.
  2. إبراز أهداف وأهمية التسويق الدولي على مستوى الشركات والدول والاقتصادات: وذلك من خلال استكشاف كيف يساهم التسويق الدولي في نمو الشركات، وتعزيز القدرة التنافسية للدول، وتحقيق التنمية الاقتصادية.
  3. التمييز بين التسويق المحلي والتسويق الدولي وفهم خصائص التسويق الدولي: وهنا سنوضح الفروقات الجوهرية بين العمل في السوق المحلي والولوج إلى الأسواق الدولية بما تحمله من تعقيدات وفرص، مع التركيز على الخصائص المميزة للتسويق عبر الحدود.
  4. تقديم لمحة عامة عن البيئة التسويقية الدولية: حيث سنتطرق إلى العوامل المختلفة التي تشكل البيئة التي يعمل ضمنها المسوقون الدوليون، مثل العوامل الثقافية، الاقتصادية، السياسية، والقانونية.
  5. استعراض التحديات الرئيسية التي تواجه المسوقين الدوليين عند تطبيق استراتيجيات التسويق الدولي: من خلال مناقشة العقبات والمصاعب التي قد تعترض طريق الشركات عند دخولها ومنافستها في الأسواق العالمية.

ومن خلال استعراض هذه الأهداف، تنبثق الإشكالية الرئيسية التي ستحاول هذه المحاضرة، والمقياس ككل، الإجابة عنها:

  • كيف يمكن للشركات أن تتجاوز حدودها المحلية وتنجح في أسواق عالمية متزايدة التعقيد والتنافسية من خلال تطبيق مبادئ التسويق الدولي و استراتيجيات التسويق الدولي الفعالة؟
  • ولماذا أصبح فهم اساسيات التسويق الدولي ضرورة حتمية وليس مجرد خيار في عالم اليوم الذي يتسم بالترابط الاقتصادي الشديد والاعتماد المتبادل بين الدول؟ فكما يشير العديد من الخبراء، “لم يعد بإمكان أي شركة تقريبًا الادعاء بأنها محلية بحتة” (Ghauri and Cateora, n.d., Module 1, p. 5)، فالمنافسة العالمية والتأثيرات الدولية تطال الجميع.

أولا: تعريف التسويق ومفاهيمه الأساسية

قبل أن نخوض في غمار التسويق الدولي، من الضروري أن نسترجع معًا بعض المفاهيم الأساسية للتسويق التي يفترض أنكم قد تطرقتم إليها في دراساتكم السابقة. ولنبدأ بمراجعة سريعة لمفهوم التسويق:

  1. مراجعة سريعة لمفهوم التسويق:
    • التسويق ليس مجرد بيع أو إعلان، بل هو عملية إدارية واجتماعية تهدف إلى تلبية حاجات ورغبات الأفراد والجماعات من خلال خلق وتبادل المنتجات والقيمة مع الآخرين. يرى Philip Kotler أن “التسويق هو العملية الاجتماعية التي يحصل من خلالها الأفراد والمجموعات على ما يحتاجونه ويرغبونه من خلال خلق وتبادل المنتجات والقيمة مع الآخرين” (Kozak and Smyczek, 2015, p. 11).
    • لفهم التسويق بعمق، لابد من التعرف على مفاهيمه الجوهرية (Kozak and Smyczek, 2015, pp. 11-12)، والتي تشمل:
      • الحاجات (Needs): وهي شعور بالنقص الأساسي لدى الإنسان.
      • الرغبات (Wants): وهي الشكل الذي تتخذه الحاجات الإنسانية تبعًا للثقافة والشخصية.
      • الطلب (Demands): وهو الرغبات الإنسانية المدعومة بالقدرة الشرائية.
      • المنتجات (Products): أي شيء يمكن تقديمه للسوق لإشباع حاجة أو رغبة.
      • القيمة (Value): تقدير المستهلك لمقدرة المنتج على إشباع حاجاته.
      • الإشباع (Satisfaction): مدى تطابق أداء المنتج مع توقعات المشتري.
      • التبادل (Exchange): جوهر التسويق، ويعني الحصول على شيء مقابل شيء آخر.
      • المعاملات (Transactions): وحدة القياس الأساسية في التبادل.
      • العلاقات (Relationships): بناء علاقات طويلة الأمد مع العملاء.
      • الأسواق (Markets): مجموعة المشترين الفعليين والمحتملين.
  2. تعريفات حديثة للتسويق: ومع تطور الفكر التسويقي، ظهرت تعريفات حديثة تعكس هذا التطور. من أبرز هذه التعريفات:
    • تقدم جمعية التسويق الأمريكية (AMA) تعريفًا شاملاً ومحدثًا (2013) ينص على أن “التسويق هو النشاط، ومجموعة المؤسسات، والعمليات الخاصة بخلق العروض التي لها قيمة للعملاء والزبائن والشركاء والمجتمع ككل، وتوصيلها وتقديمها وتبادلها” (Cateora et al., 2016, p. 6). هذا التعريف يؤكد على أن التسويق ليس مجرد وظيفة بل هو توجه استراتيجي.
    • يؤكد Cateora et al. (2016, p. 7) على أن “هدف العمل هو تحقيق ربح من خلال الترويج والتسعير وتوزيع المنتجات التي يوجد لها سوق”.
    • يشدد الفكر التسويقي الحديث على التوجه بالعميل (Customer Orientation) وبناء علاقات طويلة الأمد (Long-term Relationships) كفلسفة أساسية.
  3. التطور التاريخي لمفهوم التسويق (بإيجاز شديد): إن فهمنا للتسويق يكتمل بالنظر إلى تطوره التاريخي، والذي مر بمراحل مختلفة يمكن إيجازها كالتالي (Kozak and Smyczek, 2015, pp. 12-13; Cateora et al., 2016, pp. 6-7):
    • التوجه الإنتاجي (Production Orientation): التركيز على كفاءة الإنتاج وتوفر المنتج.
    • التوجه البيعي (Selling Orientation): التركيز على البيع والترويج المكثف لإقناع العملاء بالشراء.
    • التوجه التسويقي (Marketing Orientation): التحول نحو فهم احتياجات ورغبات السوق المستهدف وتقديم قيمة أفضل للعملاء من المنافسين. “يتضمن (التوجه التسويقي) تنفيذ أنشطة الأعمال الموجهة نحو تدفق السلع والخدمات من المنتج إلى المستهلكين أو مجموعة الأنشطة التي تقوم بها الشركة للارتباط بشكل مربح بسوقها” (Charles and Anderson, 2016, p. 3).
    • التوجه التسويقي الاجتماعي/المستدام (Societal/Sustainable Marketing Orientation): مراعاة مصالح المجتمع ككل وتحقيق الاستدامة بالإضافة إلى إشباع حاجات العملاء وتحقيق أرباح الشركة.

ثانيا: مفهوم التسويق الدولي، خصائصه، ومبادئه الأساسية

بعد أن استعرضنا المفاهيم الأساسية للتسويق، ننتقل الآن إلى صلب موضوعنا وهو مفهوم التسويق الدولي. إن الانتقال من العمل في السوق المحلي إلى الأسواق الدولية يمثل تحديًا وفرصة في آن واحد، ويتطلب فهمًا أعمق لديناميكيات جديدة. فكيف يمكننا تعريف التسويق الدولي وما هي أبرز خصائصه ومبادئه؟

  1. تعريف التسويق الدولي:
    • يمكن تعريف التسويق الدولي (International Marketing) بأنه “أداء أنشطة الأعمال التي توجه تدفق سلع الشركة وخدماتها إلى المستهلكين أو المستخدمين في أكثر من دولة لتحقيق ربح” (Cateora et al., 2016, p. 7).
    • ويعرفه Lewis and Housden (1998, p. 1) بأنه “عملية تخطيط وتنفيذ وتوجيه ورقابة الأنشطة التسويقية للشركة في الأسواق الدولية”.
    • وبناءً على ما سبق، يمكننا تقديم تعريف أكثر شمولاً للتسويق الدولي بأنه عملية تحديد احتياجات ورغبات العملاء في الأسواق الدولية المختلفة، وتطوير وتقديم المنتجات والخدمات التي تشبع هذه الاحتياجات والرغبات بشكل أفضل من المنافسين، مع مراعاة الاختلافات في البيئة التسويقية الدولية (ثقافية، اقتصادية، قانونية)، وذلك بهدف تحقيق أهداف المنظمة.
    • النقطة الجوهرية هنا هي أن التسويق الدولي ليس مجرد امتداد جغرافي للتسويق المحلي، بل هو تطبيق مبادئ التسويق الدولي وأدواته في سياق عالمي يتسم بالتنوع والتعقيد. وكما يشير Charles and Anderson (2016, p. 4)، فإن التسويق الدولي “يتضمن تنفيذ أنشطة الأعمال الموجهة نحو تدفق السلع والخدمات من المنتج إلى المستهلكين أو المستخدمين في أكثر من دولة واحدة”.
  2. العناصر الأساسية (خصائص التسويق الدولي): من خلال هذه التعريفات، يمكننا استخلاص العناصر أو خصائص التسويق الدولي التي تميزه (Kozak, Gribincea et al., 2016, p.7):
    • عبور الحدود الوطنية: هذا هو العنصر المميز الأساسي.
    • وجود أسواق متعددة ومختلفة: التعامل مع أسواق تتميز بخصائص متباينة.
    • ضرورة تكييف أو توحيد استراتيجيات التسويق الدولي: قرار استراتيجي هام يتعلق بمدى تكييف (Adaptation) المزيج التسويقي أو توحيده (Standardization).
  3. الفرق بين التسويق المحلي والدولي (إبراز إضافي لخصائص التسويق الدولي): ولكي تتضح الصورة بشكل أكبر، من المهم إبراز الفرق بين التسويق المحلي والتسويق الدولي. الجدول التالي يوضح أبرز هذه الفروقات، والتي تعكس بدورها خصائص التسويق الدولي الجوهرية:| وجه المقارنة | التسويق المحلي (Domestic Marketing) | التسويق الدولي (International Marketing) | | نطاق السوق | سوق واحدة (داخل الحدود الوطنية) | أسواق متعددة (عبر الحدود الوطنية) | | البيئة (البيئة التسويقية الدولية) | بيئة واحدة نسبياً ومتجانسة (Ghauri and Cateora, n.d., Module 1, p. 6) | بيئات متعددة ومتباينة بشكل كبير (اقتصادية، ثقافية، قانونية، سياسية، تكنولوجية) (Cateora et al., 2016, p. 8) | | درجة المخاطرة | أقل نسبياً | أعلى وأكثر تعقيداً (مخاطر سياسية، سعر الصرف، ثقافية) (Lewis and Housden, 1998, p. 2) | | العملة | عملة واحدة | عملات متعددة وتقلبات أسعار الصرف | | الثقافة | ثقافة وطنية واحدة أو ثقافات فرعية محدودة | ثقافات متعددة ومتنوعة، تتطلب فهماً عميقاً | | القوانين والأنظمة | نظام قانوني واحد ومألوف | أنظمة قانونية متعددة ومختلفة | | المنافسة | محلية بشكل أساسي | محلية ودولية وشركات متعددة الجنسيات | | البحوث التسويقية | أسهل نسبياً وأقل تكلفة | أصعب وأكثر تكلفة وتعقيداً | | اللوجستيات | أبسط وأقصر | أكثر تعقيداً وأطول | | وظائف التسويق الدولي (السيطرة والرقابة) | أسهل في ممارسة السيطرة والرقابة | أكثر صعوبة بسبب المسافات والاختلافات |
  4. مفاهيم ذات صلة بالتسويق الدولي: إضافة إلى ما سبق، ولزيادة دقة فهمنا، من المهم التمييز بين التسويق الدولي وبعض المصطلحات الأخرى ذات الصلة. من هذه المفاهيم:
    • التسويق المقارن (Comparative Marketing): دراسة ومقارنة النظم والممارسات التسويقية.
    • التسويق الأجنبي (Foreign Marketing): تسويق المنتجات داخل أسواق أجنبية محددة، مع تكييف الأنشطة. “التسويق الأجنبي يعني أن الشركة تتعامل مع كل سوق أجنبي على أنه منفصل ومختلف” (Kozak, Gribincea et al., 2016, p. 8).
    • التسويق متعدد الجنسيات (Multinational Marketing): إدراك أوجه التشابه والاختلاف بين الأسواق وتطوير استراتيجيات إقليمية أو عالمية (Cateora et al., 2016, p. 28).
    • التسويق العالمي/الكوكبي (Global Marketing): يمثل هذا المفهوم، الذي شاعه Theodore Levitt في مقالته الشهيرة “عولمة الأسواق” عام 1983 (Levitt, 1983, pp. 92-102)، توجهًا استراتيجيًا حيث تنظر الشركة إلى العالم كسوق واحدة متكاملة. الهدف هو تطوير منتجات واستراتيجيات تسويق دولي موحدة قدر الإمكان. يؤكد Kotabe and Helsen (2009, p. 4) على أن التسويق العالمي يركز على “تنسيق وتكامل أنشطة التسويق عبر الحدود الوطنية لتحقيق ميزة تنافسية”.

إن فهم هذه الفروقات والمفاهيم المتنوعة، بما في ذلك خصائص التسويق الدولي ومفهوم التسويق الدولي، يمهد الطريق لفهم أعمق لكيفية تطور الشركات في تعاملها مع الأسواق الدولية.

ثالثا: أهداف وأهمية التسويق الدولي ودوافعه

بعد أن تعرفنا على مفهوم التسويق الدولي وخصائصه الأساسية، قد يتساءل البعض: ما الذي يدفع الشركات لتحمل كل هذه التعقيدات والمخاطر الإضافية المرتبطة بالعمل عبر الحدود؟ وما هي أهداف وأهمية التسويق الدولي الفعلية سواء للشركات أو للاقتصادات ككل؟ يكمن الجواب في مجموعة من الفوائد والدوافع الاستراتيجية التي تجعل من التوسع الدولي خيارًا جذابًا، بل وضروريًا في كثير من الأحيان.

  1. أهمية التسويق الدولي للشركات (تحقيق أهداف الشركة): يمثل التوجه نحو الأسواق الدولية فرصة حقيقية للشركات لتحقيق مجموعة من الأهداف الاستراتيجية الهامة، نذكر من أبرزها:
    • تحقيق النمو وزيادة المبيعات والأرباح: وهو ربما الدافع الأكثر شيوعًا. الأسواق الدولية توفر قاعدة عملاء أوسع بكثير من السوق المحلي المحدود، مما يفتح آفاقًا لزيادة حجم المبيعات وبالتالي الأرباح (Cateora et al., 2016, p. 10).
    • الاستفادة من وفورات الحجم (Economies of Scale): مع زيادة حجم الإنتاج لتلبية الطلب من أسواق متعددة، يمكن للشركات توزيع تكاليفها الثابتة على عدد أكبر من الوحدات، مما يؤدي إلى خفض متوسط تكلفة الوحدة وزيادة الكفاءة الإنتاجية (Lewis and Housden, 1998, p. 4).
    • تنويع المخاطر: الاعتماد على سوق محلية واحدة يجعل الشركة عرضة بشكل كبير للتقلبات الاقتصادية أو التغيرات في أذواق المستهلكين أو حدة المنافسة في ذلك السوق. التوسع الدولي يوزع هذه المخاطر عبر أسواق متعددة (Charles and Anderson, 2016, p. 6).
    • إطالة دورة حياة المنتج: يمكن للتسويق الدولي أن يمنح المنتجات التي وصلت لمرحلة النضج محليًا “حياة جديدة” في أسواق أجنبية (Lewis and Housden, 1998, p. 4).
    • مواجهة المنافسة المحلية الشديدة أو تشبع السوق المحلي: الأسواق الدولية تمثل متنفساً وفرصة للبحث عن بيئات أقل تنافسية (Cateora et al., 2016, p. 13).
    • اكتساب ميزة تنافسية عالمية وبناء علامة تجارية قوية.
    • الاستفادة من فروق التكاليف في مدخلات الإنتاج.
    • الوصول إلى التكنولوجيا والمعرفة والابتكار من أسواق مختلفة.
    • تلبية احتياجات العملاء الدوليين الذين يتوسعون عالميًا.
  2. أهمية التسويق الدولي للاقتصادات الوطنية (الدول): لا تقتصر أهمية التسويق الدولي على الشركات فحسب، بل تمتد لتشمل الاقتصادات الوطنية ككل، حيث يساهم بشكل كبير في (Lewis and Housden, 1998, p. 5). :
    • تحسين الميزان التجاري وميزان المدفوعات: من خلال زيادة الصادرات
    • تحقيق النمو الاقتصادي: وزيادة الناتج المحلي الإجمالي
    • خلق فرص عمل: في قطاعات التصدير والصناعات المرتبطة بها.
    • جذب الاستثمار الأجنبي المباشر (FDI):
    • نقل التكنولوجيا والمعرفة الفنية.
    • زيادة التنافسية الدولية للاقتصاد.
    • توفير سلع وخدمات متنوعة للمستهلكين المحليين ورفع مستوى المعيشة (Charles and Anderson, 2016, p. 6).
  3. دوافع الشركات للتوجه نحو الأسواق الدولية: يمكن تصنيف الدوافع التي تحث الشركات على الانخراط في التسويق الدولي إلى مجموعتين رئيسيتين: دوافع استباقية (تنبؤية) ودوافع رد فعل (تفاعلية) (Cateora et al., 2016, p. 13; Lewis and Housden, 1998, p.4):
    • الدوافع الاستباقية (Proactive Motives): تنشأ من مبادرة الشركة ورغبتها في استغلال الفرص. من أمثلتها:
      • فرص الربح الجذابة (Profit Advantage)
      • أهداف النمو والتوسع (Growth and Market Size).
      • تفوق المنتج أو التكنولوجيا (Unique Products/Technological Advantage).
      • الحصول على معلومات حصرية حول الأسواق الخارجية.
      • الاستفادة من وفورات الحجم (Economies of Scale).
      • الاستفادة من الحوافز الحكومية للتصدير .
    • دوافع رد الفعل (Reactive Motives): تنشأ كرد فعل لضغوط أو متغيرات. من أمثلتها:
      • ضغوط تنافسية في السوق المحلي (Competitive Pressures).
      • تشبع السوق المحلي أو انكماشه (Saturated or Declining Domestic Markets).
      • فائض الطاقة الإنتاجية (Overproduction/Excess Capacity) .
      • انخفاض المبيعات أو الأرباح في السوق المحلي.
      • طلبات غير متوقعة من عملاء أجانب (Unsolicited Orders).
      • قرب الأسواق الجغرافية أو النفسية (Psychological Proximity) .

إن فهم هذه الأهميات والدوافع يبرز لماذا أصبح التسويق الدولي جزءًا لا يتجزأ من استراتيجيات العديد من الشركات الناجحة اليوم.

مراحل تطور الشركات في رحلة التسويق الدولي من المحلية إلى العالمية
مراحل تطور الشركات في رحلة التسويق الدولي

رابعا: مراحل تطور المشاركة في التسويق الدولي (استراتيجيات دخول الأسواق الدولية الأولية)

بعد أن استعرضنا أهمية ودوافع التوجه نحو الأسواق الدولية، من المهم أن ندرك أن الشركات لا تنتقل جميعها إلى العالمية دفعة واحدة أو بنفس الدرجة من الالتزام. إن عملية التدويل هي عملية تدريجية غالبًا ما تمر عبر مراحل مختلفة، يعكس كل منها مستوى مختلفًا من الخبرة والموارد والمخاطرة التي تكون الشركة مستعدة لتحملها. إن فهم هذه المراحل يساعدنا على فهم كيف تتطور استراتيجيات التسويق الدولي الأولية للشركات.

  1. مقدمة: التدرج في الالتزام الدولي: نادراً ما تقفز شركة محلية صغيرة أو متوسطة الحجم مباشرة إلى مرحلة التشغيل العالمي الكامل. بدلاً من ذلك، عادةً ما يكون هناك تطور تدريجي في مشاركتها الدولية. هذا التطور غالبًا ما يكون مدفوعًا بتراكم الخبرة، وزيادة الثقة، وتوفر الموارد، وإدراك الفرص بشكل أوضح.
  2. المراحل النموذجية لتطور المشاركة الدولية: على الرغم من أن مسار كل شركة قد يختلف، إلا أنه يمكن تحديد بعض المراحل النموذجية التي تمر بها العديد من الشركات في رحلتها نحو العالمية (Cateora et al., 2016, pp. 27-29; Ghauri and Cateora, n.d., Module 1, pp. 12-14):
    • مرحلة عدم التصدير المباشر أو التصدير العرضي/غير المنتظم (No Direct Foreign Marketing / Infrequent Foreign Marketing):
      • تركيز كامل تقريبًا على السوق المحلي. قد تحدث مبيعات دولية بشكل عرضي. لا يوجد التزام حقيقي بالأسواق الدولية.
    • مرحلة التصدير المنتظم (Regular Foreign Marketing):
      • تخصيص جزء من الإنتاج للتصدير بشكل أكثر انتظامًا. قد يوجد قسم تصدير صغير. التركيز الأساسي لا يزال محليًا.
    • مرحلة التسويق الدولي (International Marketing):
      • تصبح الأسواق الدولية جزءًا لا يتجزأ من استراتيجية الشركة. التزام كبير بالأسواق الخارجية واستثمارات فيها. تكييف المنتجات واستراتيجيات المزيج التسويقي.
    • مرحلة التسويق العالمي/الكوكبي (Global Marketing):
      • أعلى درجات الالتزام. الشركة تنظر إلى العالم كسوق واحدة متكاملة. تسعى لتطوير استراتيجيات عالمية موحدة قدر الإمكان مع تكييفات محلية ضرورية.
  3. العوامل المؤثرة في اختيار مرحلة الدخول أو التطور: إن قرار الشركة بالانتقال من مرحلة إلى أخرى يتأثر بمجموعة من العوامل (Lewis and Housden, 1998, pp. 18-20):
    • حجم الشركة ومواردها.
    • طبيعة المنتج أو الصناعة.
    • مستوى المخاطرة المقبول لدى الإدارة.
    • أهداف الشركة الاستراتيجية.
    • خبرة الإدارة في العمليات الدولية.
    • الفرص المتاحة في الأسواق الخارجية.
    • الضغوط التنافسية.

إن فهم هذه المراحل يساعد الشركات على تقييم موقعها الحالي وتخطيط خطواتها المستقبلية في رحلة التوسع الدولي.

إنفوجرافيك يوضح عناصر البيئة التسويقية الدولية المتنوعة وأثرها على التسويق الدولي
التسويق الدولي

خامسا: البيئة الدولية للتسويق (البيئة التسويقية الدولية): نظرة عامة

بعد أن فهمنا كيف تتطور مشاركة الشركات في الأسواق الدولية، من الضروري الآن أن نلقي نظرة على الساحة التي تتم فيها هذه الأنشطة، وهي البيئة التسويقية الدولية. إن نجاح أي استراتيجية تسويق دولي يعتمد بشكل حاسم على قدرة الشركة على فهم هذه البيئة المعقدة والمتغيرة والتكيف معها. تتكون هذه البيئة من مجموعة من العوامل القابلة للتحكم (تتعلق بالشركة وقراراتها) وعوامل أخرى خارجة عن سيطرة الشركة ولكنها تؤثر فيها بشكل مباشر. سنركز هنا على العوامل الخارجية غير القابلة للتحكم (Cateora et al., 2016, pp. 8-9; Kozak and Smyczek, 2015, p. 21).

  1. مقدمة: تعقيد البيئة الدولية: تختلف البيئة الدولية عن البيئة المحلية في درجة تعقيدها وتنوعها. فبدلاً من التعامل مع مجموعة واحدة من الظروف، يجد المسوق الدولي نفسه في مواجهة بيئات متعددة ومتباينة.
  2. العناصر غير القابلة للتحكم (Uncontrollable Elements) في البيئة الدولية: هذه هي القوى الخارجية التي يجب على الشركة أن تتكيف معها، وتشمل بشكل رئيسي:
    • البيئة الاقتصادية (Economic Environment):
      • مستوى التنمية، الدخل، التضخم، أسعار الصرف، البنية التحتية .
    • البيئة السياسية والقانونية (Political/Legal Environment):
      • الاستقرار السياسي، التشريعات التجارية، القيود التجارية، المخاطر السياسية.
    • البيئة الثقافية والاجتماعية (Cultural/Social Environment):
      • اللغة، الدين، القيم، العادات، التعليم، أنماط الحياة .).
    • البيئة التنافسية (Competitive Environment):
      • طبيعة المنافسة وهيكلها، المنافسون المحليون والدوليون.
    • البيئة التكنولوجية (Technological Environment):
      • مستوى التقدم التكنولوجي، معدل تبني التكنولوجيا، البنية التحتية التكنولوجية.
    • البيئة الجغرافية والمناخية (Geographical and Climatic Environment):
      • الموقع، التضاريس، المناخ، الموارد الطبيعية.
  3. العناصر القابلة للتحكم (Controllable Elements) – المزيج التسويقي الدولي: في مواجهة هذه البيئات، تمتلك الشركة مجموعة من الأدوات التي يمكنها التحكم فيها وتكييفها، وهي عناصر المزيج التسويقي الدولي:
    • المنتج (Product): تصميم، جودة، علامة تجارية، تكييف أم توحيد .السعر (Price): استراتيجيات التسعير، تكاليف، أسعار منافسين، قوة شرائية.التوزيع (Place/Distribution): قنوات التوزيع، وسطاء، نقل، تخزين .الترويج (Promotion): اتصالات تسويقية، إعلان، ترويج مبيعات، تكييف أم توحيد .
    سيتم تناول كل عنصر من عناصر البيئة التسويقية الدولية وعناصر المزيج التسويقي الدولي بشكل أكثر تفصيلاً في محاضرات لاحقة.

سادسا: التحديات الرئيسية في التسويق الدولي

على الرغم من الفرص الكبيرة التي يوفرها التوسع الدولي، إلا أن الشركات التي تقرر العمل خارج حدودها الوطنية تواجه مجموعة من التحديات الكبيرة والمعقدة. إن فهم هذه التحديات والاستعداد لها هو جزء أساسي من اساسيات التسويق الدولي الناجح. ويمكن تلخيص أبرز هذه التحديات فيما يلي:

رجل أعمال يواجه تحديات التسويق الدولي المتعددة ويسعى لتجاوزها
رجل أعمال يواجه تحديات التسويق الدولي المتعددة ويسعى لتجاوزها
  1. تحدي الاختلافات الثقافية (The Cultural Challenge) ومعيار الإشارة الذاتية والتعصب العرقي:
    • يعتبر هذا من أبرز وأخطر التحديات. فالاختلافات في اللغات، القيم، العادات، يمكن أن تؤدي إلى سوء فهم كبير.
    • معيار الإشارة الذاتية (Self-Reference Criterion – SRC): ميل الفرد اللاواعي لاستخدام قيمه الثقافية كمعيار .
    • التعصب العرقي (Ethnocentrism): الاعتقاد بأن ثقافة الفرد هي الأفضل.
    • التغلب على هذه التحيزات يتطلب وعيًا ثقافيًا وبحوثًا معمقة.
  2. المخاطر السياسية والقانونية (Political and Legal Risks):
    • عدم الاستقرار السياسي، التغييرات المفاجئة في السياسات، قوانين الاستثمار المقيدة، القيود التجارية .
    • الاختلافات في أنظمة حماية الملكية الفكرية وقوانين العقود.
  3. تقلبات أسعار الصرف والمخاطر الاقتصادية (Exchange Rate Fluctuations and Economic Risks):
    • التغيرات غير المتوقعة في أسعار صرف العملات تؤثر على التكاليف والربحية.
    • المخاطر الاقتصادية الأخرى تشمل التضخم والركود.
  4. صعوبة الحصول على بيانات ومعلومات دقيقة وموثوقة عن الأسواق الأجنبية:
    • في العديد من الأسواق، خاصة النامية، قد تكون البيانات نادرة أو غير دقيقة (Lewis and Housden, 1998, p. 52).
  5. تعقيدات اللوجستيات والنقل والتخزين عبر الحدود:
    • إدارة سلاسل الإمداد الدولية، الشحن، التخليص الجمركي، يمثل تحديًا كبيرًا .
  6. إدارة وتنسيق الأنشطة التسويقية عبر مناطق زمنية ولغات وثقافات مختلفة.
  7. المنافسة الشديدة من الشركات المحلية والعالمية الأخرى (Stone and McCall, 2004, p. 10).
  8. القضايا الأخلاقية في التسويق الدولي:
    • ممارسات التوظيف، السلامة، التأثير البيئي، الرشوة .

إن التغلب على هذه التحديات يتطلب من الشركات تطوير قدرات خاصة، والاستثمار في فهم الأسواق، وبناء علاقات قوية، والتحلي بالمرونة.

سابعا: خاتمة ومستخلص

في ختام هذه المحاضرة التمهيدية، نأمل أن نكون قد وضعنا بين أيديكم اللبنات الأولى لفهم عالم التسويق الدولي المثير والمعقد. لقد استعرضنا معًا مفهوم التسويق الدولي وأبرزنا خصائصه التي تميزه عن التسويق المحلي، وتطرقنا إلى أهداف وأهمية التسويق الدولي سواء بالنسبة للشركات الساعية للنمو أو للاقتصادات الوطنية الطامحة للتطور. كما ناقشنا الدوافع المتنوعة التي تحث الشركات على خوض غمار العالمية، والمراحل التدريجية التي غالبًا ما تمر بها في رحلة تدويلها.

ألقينا كذلك نظرة عامة على البيئة التسويقية الدولية بعناصرها المتعددة وغير القابلة للتحكم، والتي تشكل الساحة التي يجب على المسوقين الدوليين أن يعملوا ضمنها ويتكيفوا معها. وأخيرًا، سلطنا الضوء على مجموعة من التحديات الرئيسية التي تعترض طريق الشركات عند تطبيق استراتيجيات التسويق الدولي.

يتضح لنا من كل ما سبق أن التسويق الدولي لم يعد ترفًا أو خيارًا ثانويًا، بل أصبح في كثير من الحالات ضرورة استراتيجية للبقاء والازدهار في عالم اليوم الذي يتسم بالعولمة والمنافسة الشديدة. إن القدرة على فهم الأسواق الخارجية المتنوعة، وتكييف المنتجات والرسائل التسويقية، وإدارة العمليات عبر الحدود، والتعامل مع الاختلافات الثقافية والقانونية والاقتصادية، هي كلها مهارات أساسية لنجاح أي مسعى دولي.

إن هذا المقياس، “التسويق الدولي”، يهدف إلى تزويدكم، كطلاب في تخصص التجارة الدولية، بالأدوات المعرفية والتحليلية اللازمة لفهم هذه الديناميكيات وتطبيق مبادئ التسويق الدولي ووظائفه بفعالية. فالمستقبل يحمل فرصًا واعدة لأولئك القادرين على التفكير عالميًا والتصرف بذكاء في الأسواق الدولية.

في محاضراتنا القادمة، سنتعمق أكثر في كل جانب من الجوانب التي أشرنا إليها اليوم، وسنناقش بالتفصيل البيئات المختلفة، وعملية بحوث التسويق الدولية، واستراتيجيات دخول الأسواق، وتطوير المزيج التسويقي الدولي.

نقاط إضافية للمناقشة والتفكير:

  • هل تختلف مبادئ التسويق الأساسية (مثل التركيز على العميل وتقديم القيمة) عند الانتقال من السياق المحلي إلى السياق الدولي، أم أن الاختلاف يكمن فقط في درجة تعقيد تطبيق هذه المبادئ؟
  • ما هي الأدوار والوظائف المحورية التي يجب أن يقوم بها قسم التسويق الدولي في شركة تسعى للنجاح عالميًا، وكيف يمكن لهذه الوظائف أن تتكيف مع الدوافع المختلفة للتوسع الدولي (سواء كانت استباقية أو كرد فعل)؟
  • إلى أي مدى يعتبر نموذج مراحل التطور في المشاركة الدولية (من التصدير العرضي إلى التسويق العالمي) وصفًا دقيقًا لواقع جميع الشركات؟ وما هي العوامل التي قد تدفع بعض الشركات، خاصة “المولودة عالميًا”، لتجاوز بعض هذه المراحل أو اتباع مسار مختلف؟
  • بالنظر إلى تعقيدات البيئة التسويقية الدولية وعناصرها المتعددة غير القابلة للتحكم (الاقتصادية، السياسية، القانونية، الثقافية، إلخ)، ما هي الاستراتيجيات العملية الأكثر فعالية التي يمكن للشركات تبنيها لجمع المعلومات وتحليل هذه البيئات والتكيف معها بنجاح؟

نشكركم على حسن استماعكم، ونفتح الآن باب الأسئلة والمناقشة.

قائمة المراجع

  • Cateora, P. R., Gilly, M. C., Graham, J. L., & Money, R. B. (2016). International Marketing (17th ed.). McGraw-Hill Education.
  • Charles, G., & Anderson, W. (2016). International Marketing: Theory and Practice from Developing Countries. Cambridge Scholars Publishing.
  • Ghauri, P., & Cateora, P. (n.d.). International Marketing Course Taster. Edinburgh Business School Heriot-Watt University.
  • Kotabe, M., & Helsen, K. (Eds.). (2009). The SAGE Handbook of International Marketing. SAGE Publications.
  • Kozak, Y., & Smyczek, S. (Eds.). (2015). International Marketing. CUL.
  • Kozak, Y., Gribincea, A., et al. (Eds.). (2016). Introduction to International Marketing: Questions & Answers. Print-Caro.
  • Levitt, T. (1983). The Globalization of Markets. Harvard Business Review, May-June, 92-102.
  • Lewis, K., & Housden, M. (1998). An Introduction to International Marketing: A Guide to Going Global. Kogan Page.
  • Stone, M. A., & McCall, J. (2004). International Strategic Marketing: A European Perspective. Routledge.
شارك

Newsletter Updates

Enter your email address below and subscribe to our newsletter